المركز المصرى للاصلاح المدنى والتشريعى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

في ظل أزمة السكن .. العشوائيات والتجارب العربية والعالمية

اذهب الى الأسفل

في ظل أزمة السكن .. العشوائيات والتجارب العربية والعالمية Empty في ظل أزمة السكن .. العشوائيات والتجارب العربية والعالمية

مُساهمة  Admin الخميس مايو 03, 2012 4:34 pm

نقلا عن الشبكة العربية العالمية :- أدى النمو الحضري المتسارع الذي شهدته معظم الدول النامية وخاصة الدول العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وديموجرافية وأمنية وغيرها، ومن إفرازات ذلك النمو الحضري المتسارع ظهور العشوائيات حول أطراف المدن.
وقد كشفت دراسة للمعهد العربي لإنماء المدن عن أن النمو الحضري في معظم الدول العربية قد أدى لظهور العديد من المناطق العشوائية ولم يقتصر وجود المناطق العشوائية على الدول العربية التي تعاني من المشكلات الاقتصادية وإنما ظهرت أيضا في بعض الــدول العربية ذات الدخل المرتفع أو المتوسط .
وقد بدأت ظاهرة الإسكان غير المشروع كرد فعل لعوامل متعددة، منها الاقتصادية والسياسية والديموجرافية والظروف الطبيعية، ما دفع العديد من سكان المناطق الريفية وغيرها، للنزوح نحو المدن والعواصم للإقامة على أطرافها، دون التقيد بقوانين ملكية الأراضي، ودون التقيد بنظم ولوائح التخطيط العمراني. وعادة ما تشيد المساكن العشوائية من الصفيح أو الزنك أو الخشب أو الكرتون في شكل أكواخ متفرقة، وذات أزقة ضيقة يصعب تحرك المركبات داخلها. وغالباً ما تفتقر مناطق السكن العشوائي للخدمات الضرورية كالصحة والصرف الصحي وإصحاح البيئة والخدمات الأمنية وغيرها من الخدمات الأساسية .
واستخدمت العديد من المصطلحات للمناطق العشوائية كمدن الكرتون ومدن الصفيح، والأحياء الفقيرة ، والمدن العشوائية ، التي تعرف بأنها مناطق أقيمت مساكنها بدون ترخيص وفي أراضي تملكها الدولة أو يملكها آخرون، وعادة ما تقام هذه المساكن خارج نطاق الخدمات الحكومية ولا تتوفر فيها الخدمات والمرافق الحكومية لعدم اعتراف الدولة بها.
و أوضحت الدراسة التي أجراها المعهد العربي لإنماء المدن أن نحو 60% من العشوائيات في المجتمع العربي توجد على أطراف المدن و 30% توجد خارج النطاق العمراني، وتوجد 8% فقط وسط العاصمة. كما كشفت تلك الدراسة عن أن 70% من تلك العشوائيات قد شيدت بطريقة فردية و 22% شيدت بطريقة جماعية. ولا تزيد نسبة المباني المستأجرة في الأحياء العشوائية عن 70% . كما أوضحت تلك الدراسة أن معظم العشوائيات في الدول العربية تفتقر لخدمات الصرف الصحي. ومياه الشرب النقية ونقص المواد الغذائية وتنتشر فيها البطالة والجريمة والمخدرات والاعتداء على الممتلكات وتشكل المساكن العشوائية في الدول العربية معوقاً للتنمية، وبؤرة للمشاكل الاجتماعية والصحية والأمنية.
1- تعريف العشوائيات
تتعدد التعريفات التي تناولت مفهوم العشوائيات كالتالي:
1-1 يطلق مصطلح "العشوائيات" على التجمعات البشرية التي تتكون على أطراف المدن الكبرى، نتيجة عوامل عديدة؛ أهمها الهجرة من الريف إلى المدن كما هو الحال في بعض الدول العربية ذات الكثافة السكانية العالية والدخول المنخفضة التي أدت إلى أزمة إسكان اضطرت الكثير من السكان إلى تشييد بيوت من الصفيح والخشب والكرتون، وهي مساكن غير مطابقة للمواصفات الهندسية تم إنشاؤها دون تراخيص من الجهات المختصة.
1-2 هي مناطق نشأت في غياب القانون وبعيداً عن التخطيط العام وأحياناً تعدياً على أملاك الدولة، وهى مناطق محرومة من المرافق الأساسية والخدمات.
1-3 هناك بعض الاختلافات في تسمية العشوائية للمناطق السكنية بين المخططين
والمفكرين في هذا المجال، حيث أن الكثير يؤكدون ضرورة التمييز بين السكن المخالف للقوانين وبين التجمعات السكنية الكبيرة التي تظهر كنتيجة لكوارث طبيعية أو سياسية أو غيرها من الأسباب الطارئة، والتي تؤدي بالتالي إلى ظهور تجمعات سكنية تعتمد على مواد بناء رديئة ذات عمر افتراضي قصير نسبيًا وغير ملائمة صحيًا وبيئيًا،فضًلا عن كونها تخلو من الحد الأدنى من الخدمات الأساسية المتمثلة في الكهرباء والماء والصرف الصحي أو الخدمات المهمة الأخرى مثل المدارس والمستشفيات وملاعب الأطفال ومواقف السيارات والمناطق المفتوحة….الخ.
1-4 التفرقة بين النمو الطبيعي والنمو العشوائي للمدينة فالتجمعات السكنية العربية التقليدية لم تنشأ على أساس مخططات تنظيمية مسبقة، بل اتصفت بنموها الطبيعي المتناغم مع الاحتياجات والعادات والتقاليد والمبادئ الدينية والاجتماعية المتعارف عليها في كل بيئة حسب وضعها الخاص، وهذا التكامل والتوافق بين احتياجات المجتمع والنمو الحضري مّثل في السابق ارتقاء شموليًا للمجتمعات المتحضرة وبالرغم من أن هذه التجمعات لم تخضع لمخططات تنظيمية إلا أن الكثير من المفكرين والباحثين في هذا المجال لم يطلقوا عليها صفة العشوائية بل لجأ بعضهم إلى تسميتها بالبيئة "المرتبة" وليست "المنظمة".. وهناك أيضًا تجمعات حديثة ظهرت نتيجة لهجرة الناس من بلدانهم إلى مناطق بعيدة عن تجمعاتهم الأصلية، وأوضح مثال على ذلك هجرة الفلسطينيين كنتيجة لحروب عامي 1948 و 1967 ، والتي نتج عنها ظهور مناطق محددة على شكل مخيمات ومناطق أخرى عشوائية ليست لها محددات رسمية أو تنظيمية ، ونذكر على سبيل المثال حي جناعة في مدينة الزرقاء بالأردن.
2-أسباب العشوائيات
ترصد دراسة لمعهد التخطيط القومي في مصر ثمانية أسباب لوجود العشوائيات تتمثل في زيادة معدلات نمو السكان، وتدفق الهجرة من الريف للحضر، وارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء بما فيها المملوكة للدولة، وزيادة القيمة الإيجارية للمعروض من الإسكان، ورغبة الأهالي في سكن أبنائهم وأقاربهم بجوارهم وتزايد عمليات الهجرة من الريف والصعيد، وتقلص ومحدودية المساكن الشعبية التي كانت قائمة في الستينيات.
وترجع الدراسات نمو العشوائيات أساسا إلي عدم تنفيذ القوانين الخاصة بالمباني وكذلك حماية الأراضي المملوكة للدولة في مقابل تقاعس الأجهزة الحكومية المعنية عن التنفيذ ، وكذلك ضعف الاهتمام بالتنمية الإقليمية والتي تهدف إلي إعادة توزيع سكان البلاد والخروج من الوادي الضيق إلي مجتمعات جديدة تستقطب تيارات الهجرة . والأهم من ذلك خلل سوق الإسكان وانخفاض المعروض من الوحدات السكنية وعدم ملائمة العرض مع نوعية الطلب حيث انخفضت نسبة الإسكان الاقتصادي من أجمالي الوحدات السكنية.
ويرجع ازدياد عدد العشوائيات في البلاد العربية لعوامل عديدة كذلك، أهمها الهجرات المتزايدة نحو المدن والمراكز الحضرية الناتجة عن التنمية غير المتوازنة وعدم الاهتمام بالمناطق الريفية من حيث تحسين الأجور وتحسين الخدمات. كما أدى ارتفاع قيمة الأراضي في المدن والعواصم لنزوح بعض الأسر الفقيرة لأطراف المدن والإقامة في الأحياء العشوائية. هذا بالإضافة لعدم تطبيق قوانين ملكية الأراضي والقوانين الخاصة بترخيص المباني .
3-حجم العشوائيات
بدأ ظهور العشوائيات في الدول العربية على أطراف المدن ذات الكثافة السكانية العالية كالقاهرة ودمشق والدار البيضاء، لتمتد بعد ذلك إلى دول بترولية غنية مثل المملكة العربية السعودية وفي دراسة أجراها المعهد العربي لإنماء المدن كشف عن أن نحو 60 في المائة من العشوائيات في المجتمع العربي توجد على أطراف المدن و 30 في المائة توجد خارج النطاق العمراني، وتوجد 8 في المائة وسط العاصمة، كما ذكرت الدراسة أن 70 في المائة من تلك العشوائيات قد شيدت بطريقة فردية و 22 في المائة شيدت بطريقة جماعية.
وفيما يلي توضيح ذلك:
3-1 مصر
كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عن أن عدد العشوائيات في مصر منذ نشأتها وحتى بداية التطوير عام 1993 بلغ عدد 1221 منطقة عشوائية , منها 20 منطقة تقرر إزالتها لأنها لا تقبل التطوير , 1130 منطقـة قابلـة للتطويـر , 71 منطقــة في 5 محافظات لم تشملها خطط التطوير حتى 1 / 1 / 2007 وهى ( مطروح ـ شمال سيناء ـ بور سعيد ـ الإسماعيلية ـ السويس ).
وتشير بيانات وزارة الإسكان في مصر إلى أن سكان «العشوائيات» يبلغ عددهم نحو 8 ملايين مواطن، موزعين على 497 منطقة سكنية بكافة أنحاء البلاد، إلا أن النسبة الكبيرة منها منتشرة حول «القاهرة الكبرى»، والتي تضم المحافظات الواقعة على رأس مثلث دلتا نهر النيل، وهي القاهرة، والجيزة والقليوبية.
وأوضح تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنَّ 12 مليون مصري يعيشون في المقابر والعشش والجراجاتِ والمساجد وتحت السلالم.فـ 1.5 مليون مصري يعيشون بالقاهرة في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصر الجديدة.
3-2 سوريا
في سوريا نمت العشوائيات السكنية و امتدت كي تحيط مدينة دمشق و تداخلت مع المدينة في أكثر من مكان.. وامتدت للأحياء النظامية و ظهر للوجود أحياء جديدة شملها التنظيم العشوائي وأقر هذا التنظيم من قبل مجلس المحافظة و من هذه الأحياء العشوائية حي ركن الدين المنطقة التنظيمية الجديدة و التي تشمل المنطقة من ابن النفيس إلى ساحة .
وفي المغرب شهدت منطقة الهراويين ـ التي تقع على مساحة 16 كيلومتر مربع في الجهة الوسطى لمدينة الدار البيضاء ـ مؤخرا موجة تشييد أكواخ إسمنتية عشوائية تشوه الوجه الحضاري للمدينة العريقة.
وكشفت الدراسة التي أجريت في مدينة حلب بسوريا أن معظم سكان العشوائيات نازحون من الريف ويمثلون 47% من سكان العشوائيات . وهذا بالإضافة إلى أن 34% قد نزحوا من المدن المجاورة أو من وسط المدينة إلى أطرافها ، وتشكل هذه العشوائيات حزام فقر حول مدينة حلب، تنتشر وسطها الجرائم. كما تتصف الأحياء العشوائية بمدينة حلب بارتفاع حجم الأسرة.
3-3 دول المغرب العربي
انتشرت ظاهرة العشوائيات في دول المغرب العربي، حيث اتضح أن نحو 50% من سكان المناطق الحضرية في المملكة المغربية يقيمون في أحياء عشوائية. كما اتضح أن نحو 6% من سكان العاصمة الجزائرية يقيمون في أحياء عشوائية تفتقر إلى الخدمات الضرورية لحياة الإنسان، وتنتشر فيها الجريمة.
3-4 السعودية
بدأت ظاهرة الإسكان غير الرسمي في مدينة الرياض كرد فعل للعوامل المتعددة كارتفاع الأراضي وارتفاع إيجارات المساكن وازدياد تيارات الهجرة لمدينة الرياض بنوعيها الداخلية والخارجية ونشأت معظم الأحياء العشوائية في الأطراف الشرقية لمدينة الرياض. ويعيش في تلك المناطق العشوائية بعض الوافدين الذي يستخدمون من قبل أرباب العمل السعوديين كعمالة رخيصة. هذا بالإضافة إلى أن بعض سكان البادية من السعوديين يفضلون الإقامة في أطراف المدينة ويقيم هؤلاء السكان في خيام أو مساكن مسورة بمواد الكرتون أو الصفيح أو الأخشاب.
وأوضحت دراسة للمعهد العربي لإنماء المدن التي أجريت على حي الفيصلية بمدينة الرياض أن هذا الحي يعدُ من الأحياء الفقيرة وغير المخططة والتي ترتفع فيه نسب الأمية وسط سكانه الذين يمتهنون المهن الهامشية ويتحصلون على دخول متدنية لا تفي باحتياجاتهم الأساسية. ويعد عامل القرابة عاملاً أساسيا في استمرار العلاقات والتضامن الأسري بين أفراد حي الفيصلية.
وتعتبر العاصمة الرياض، اقل المناطق العشوائية في السعودية من مساحة الأراضي العمرانية، وذلك حسب دراسة للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والتي توصلت إلى أن ظاهرة المناطق العشوائية في مدينة الرياض تعتبر ضئيلة جداً، حيث تصل نسبة هذه المناطق إلى أقل من 1 في المائة من مساحة المدينة العمرانية.
3-5 قطر
وفي قطر نشرت جريدة «الراية» بتاريخ 7 مايو 2008 تحقيقا عن أزمة السكن، أظهر أن مشكلة العشوائيات قد تفاقمت في السنوات الماضية حتى أصبحت تشكل ظاهرة مقلقة بعد أن تزايد عدد الأكشاك على حواف مدينة «الدوحة» العاصمة، وزحف المد العشوائي ليصل إلى وسطها حيث ظهرت الملاحق الهشة التي يتم بناؤها من الخشب والصفيح، وملأت الأكشاك أسطح العقارات والبنايات مشوهة منظر المدينة، ومخلفة وراءها العديد من الأمراض الاجتماعية.
3-6 الإمارات
وهناك أيضا إرهاصات ومؤشرات لهذه الظاهرة في دولة الإمارات على الرغم من اقتصادها القوي والكثافة السكانية المنخفضة لكن الواقع يقول إن هذه العشوائيات قد أخذت تتكون داخل المدن الإماراتية وتمتد إلى الأطراف على عكس ما يحدث في الدول الأخرى، كما أن المناطق الصناعية - حيث تتكدس ورش إصلاح السيارات ومحلات بيع قطع الغيار وغيرها - تمثل عشوائيات مكتملة المواصفات وتشكل «كانتونات» من الصعب اختراقها.
3-7 الكويت
تشير دراسة أجريت في الكويت إلى أنه على الرغم من أن مشكلة انتشار العشوائيات في الكويت لم تصل بعد إلى المستويات الخطيرة التي وصلتها في بلاد أخرى، إلا أن هذا لا ينفي وجودها . فقد نشأت بعض الأحياء العشوائية بمنطقتي السالمية وصباح السالم. كما ظهرت مناطق عشوائية على أطراف المناطق السكنية القائمة كمنطقة شرق القرين ومنطقة رأس عشيرج. كما أوضحت تلك الدراسة أن المناطق العشوائية في الكويت تمثل مناخاً ملائماً لانتشار الجريمة وإيواء الخارجين على القانون، حيث يصعب على قوات الأمن السيطرة عليها نتيجة لضيق الأزقة وعدم انتظام الطرق وصعوبة معرفة دروبها مسبقاً .
4- آثارها
تصف الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المناطق العشوائية بأنها «قنبلة موقوتة» تشمل «جميع الأنماط السلبية والمتدنية في المجتمع أخلاقيا واجتماعياً وهي النماذج المحرومة من الرعاية ومن حقوقها في المأكل والمشرب والسكن والتعليم والصحة».
وأشارت دراسة قدمتها د. نادية حليم سليمان المستشارة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن الأمية والنقص في المهارات يدفع نساء العشوائيات خاصة اللائي يعلن اسر للعمل في القطاع غير الرسمي وبينت الدراسة أن نساء تلك الفئة لا يملكن القدرة على حماية أنفسهن أو القدرة على الخروج من دائرة الفقر، بالنظر إلى افتقارهن للوعي بالكثير من الحقوق أو إجراءات الحصول على تلك الحقوق مثال ذلك الحق في الحصول على نفقة لهن ولأطفالهن.
وتعاني العشوائيات من نقص أو عدم وجود المرافق الأساسية والخدمات ولذلك فهي تفرز العديد من المشكلات التي تؤرق المجتمع وتؤثر سلبياً على أمنه وأمانه ، وينتشر بين سكانها الفقر والبطالة والانحراف والجريمة والإدمان وغيرها من المشكلات وهى من الخصائص العامة لهذه المناطق .
5- تجارب علاج العشوائيات العربية والعالمية
5-1 تجارب عربية
يقوم برنامج تطوير العشوائيات في العديد من الدول على ضرورة تبني فكر التخطيط والتطوير بمشاركة القطاع الخاص والمستثمرين العرب والأجانب في تنفيذ هذا البرنامج وتقنين الحيازات في العشوائيات لحفظ حقوق الدولة وتنشيط السوق العقاري من خلال تسجيل المباني وتطبيق مبدأ استعادة التكلفة في تنفيذ مشروعات التطوير لضمان استدامة تلك المشروعات بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تطوير العشوائيات من خلال تقديم بعض التسهيلات والحوافز والتي تتمثل في الحصول على نسب من الأراضي الصالحة للتنمية بتلك المناطق، خاصة الموجودة بأماكن متميزة لاستغلالها استثمارياً فضلاً عن وضع المحددات العمرانية اللازمة للتوسع الأفقي داخل تلك المناطق مما يسمح بتكثيف البناء بتلك المناطق والحد من أي امتداد عشوائي.
وتتضمن خطط تطوير العشوائيات الجديدة مشاركة المواطنين في هذه المناطق في نظافة شوارعهم، وتشجيرها ودهان واجهاتها، وتوفير معلومات مباشرة عن المدارس والوحدات الصحية وكافة الخدمات وكيفية التعامل معها. وكذلك مشاركة المواطن في تحديد استخدامات الأراضي داخل المنطقة العشوائية التي يعيش فيها، وذلك لإقناع السكان بتقنين أوضاعهم وتمليكهم الأراضي التي تم البناء عليها عشوائياً وإقناعهم بالمخططات الجديدة.
وفيما يلي توضيح وعرض التجارب العربية في علاج وتطوير العشوائيات :
5-1-1 مصر
أوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن تنفيذ خطط تطوير وتنميـة المناطـق العشوائيـة بدأ منـذ عـام 1993 علـى مراحـل وتـم إدراج 11 محافظة في خطة التطوير الأولى وهى القاهرة والإسكندرية والقليوبية والجيزة وبني سويف والمنيا والفيوم وسوهاج وأسيوط وقنا وأسوان وبلغ عدد المناطق العشوائية بهذه المحافظات نحو 600 منطقة، وبدأت المرحلة الثانية للتطوير عام 1998/1999 بإضافة 5 محافظات جدد هي الشرقية وكفر الشيخ والغربية والمنوفية والبحيرة وعدد المناطق العشوائية بها 315 منطقة ، وفى المرحلة الثالثة للتطوير والتي بدأت عام 2002 / 2003 تم إضافة 4 محافظات جدد وهى دمياط والدقهلية والبحـر الأحمـر ومدينـة الأقصـر وعدد المناطــق العشوائيـة بها 235 منطقة .
وكشف الجهاز الرسمي عن أن الموقف الراهن للمناطق العشوائية يوضح أن 14 محافظة انتهت من تطوير 340 منطقة عشوائية منها 13 منطقة بمحافظة الجيزة ، 9 مناطق بالقليوبية ، 5 مناطق بالإسكندرية ، 13 منطقة بالبحيرة ، منطقتين بالمنوفية ، 19 منطقة بالغربية ، منطقة واحدة بكفر الشيخ ، 30 منطقة بدمياط ، ومنطقتين بالدقهلية ، 18 منطقة ببني سويف ، 84 منطقة بأسيوط ، 45 منطقة بسوهاج ، 66 منطقة بقنا ، 33 منطقة بأسوان .
ويواصل الجهاز المركزي المصري تقريره فيكشف عن أن جملة الاستثمارات المخصصة لتطوير المناطق العشوائية منذ بدء التطوير عام 1993 و حتى 31 / 5 / 2007 بلغت نحو 3.1 مليار جنيه خلال الخطط الخمسية الثلاث ( 1992 -1997 ، 1997 - 2002 ، 2002 حتى 31 / 5 / 2007 ) موزعة بنحو 1611.4 مليون جنيه ، 744 مليون جنيه ، 748.8 مليون جنيه على الترتيب للخطط الثلاث.
وقد استخدمت مصر استراتيجيه شاملة لتقليص أزمات السكن لديها، فقد تميز الإنتاج الإسكاني بقوة تدخل القطاع العام في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث تم بناء مدن جديدة (مثل مدينة السادات والعاشر من رمضان والعبور و ستة أكتوبر .. الخ) في المناطق الصحراوية، ساهمت في خفض الحاجة السكنية، من خلال توفير سكن رخيص التكاليف نسبيًا، وقد تم اتباع خطط مختلفة لتخفيض التكلفة، مثل استراتيجية السكن غير كامل التشطيب، ورفع الكثافات السكانية مع تقليص تكلفة البنية التحتية.
و تعتبر التجربة المصرية إحدى الخبرات الإسكانية المهمة في الوطن العربي
نسبة إلى حجم التدخل الذي جرى على أرض الواقع، وهي خبرة تستحق الدراسة والتقييم
من جوانب عديدة جدا وخاصة من ناحية التخطيط المتكامل للمدن الجديدة، وأثر هذه
السياسات الشمولية في خفض مشكلة السكن العشوائي.
وبالرغم من قوة التدخل الإسكاني في مصر والمحاولة في خفض التكلفة البنائية إلا أن مشكلة السكن العشوائي ما زالت قائمة ويعتبرها بعض المختصين المصريين في زيادة مستمرة، وهذا يعني أن التدخل الرسمي في حل المشكلة من خلال بناء وحدات سكنية جديدة يبقى محدودًا ويحتاج إلى دعم من نوع آخر يعتمد بشكل أساسي على جهود الناس المعنيين مباشرة في المشكلة السكنية
5-1-2 السعودية
تعمل الجهات الرسمية في العاصمة السعودية الرياض على التشديد في إجراءات المراقبة وذلك لإيقاف نمو المناطق العشوائية القائمة أو نشأة عشوائيات جديدة وتشكيل فرق دائمة من أمانة منطقة الرياض وشرطة المنطقة ودعم تجهيزها بالمتطلبات اللازمة للقيام بمهامها كما تعمل أمانة مدينة الرياض لإنشاء صندوق لنزع ملكيات المباني القديمة في وسط الرياض، مما يساهم في تطوير تلك المواقع وإعادة إعمارها للتحول إلى مراكز شاملة وحيوية مثل تطوير منطقة الظهيرة الواقعة في قلب مدينة الرياض والتي تبلغ مساحتها حوالي 750 ألف متر مربع وحسب إحصاءات سابقة فإن إعادة تنظيم المنطقة المركزية قد تتجاوز تكلفته 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) .
وفي المدينة المنورة سعت الجهات المختصة في المنطقة المركزية حول الحرم النبوي الشريف إلى ضبط التطوير في المنطقة المركزية، وذلك من خلال تصاريح الأمانة التي تشترط مواصفات معينة لضمان بناء منطقة منظمة تتناغم مع أهمية المكان والزمان.
وفي جدة ذكر المهندس عادل فقيه المسئول بمحافظة جدة أن الأمانة تعمل على مجموعة مشاريع لتطوير عدد من المناطق في المدينة وأشار إلى أن المشروع الأول سيكون لتطوير منطقتي قصر خزام والسبيل بينما المشروع الثاني هو تطوير منطقة حي الشرفية إضافة إلى المشروع الثالث هو مشروع ضاحية جدة الشرقية بينما المشروع الرابع هو الإسكان الميسر في ثلاثة مواقع الأول جنوب خليج سلمان والثاني يقع بحي روابي الجنوبية والأخير جنوب القاعدة البحرية وهناك مشروعات أخرى تقوم بها الأمانة تتمثل في مشروع شارع فلسطين، إضافة إلى مشروع شارع التحلية ومشروع مجرى السيل، إلى جانب مشروع الكورنيش الأوسط ومشروع الكورنيش الشمالي.
وأكد رئيس مجلس إدارة شركة جبل عمر عبد الرحمن فقيه، أن الشركة تسعى إلى نقل تجربة القضاء على الأحياء العشوائية إلى جدة بعد أن نجحت في القضاء عليها في أحياء مكة المكرمة.
وشدد على أن مشروع جبل عمر بدأ التفكير فيه قبل أكثر من 10 سنوات، وأضاف وجدنا وقتها دعما كبيرا من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، حيث كان هناك تفكير في 42 مشروعاً حول الحرم المكي الشريف، ووجهت الحكومة الرشيدة بالبدء بهذا المشروع و كانت البداية من شركة مكة التي ساهمت في المشروع بـ650 مليون ريال، واعتبر أصحاب العقارات التي سيتم هدمها والاستعاضة عنها بعمارات حضارية متطورة هم الشريك الرئيسي لشركة جبل عمر في هذا المشروع.
وفي الواقع تنفرد مدينة جدة بحالة لا تتوفر في أي مدينة أخرى، فأكثر من نصف أحياء المدينة تصنف على أنها أحياء عشوائية، ومن بين 106أحياء تضمها جدة يوجد 55حيّا عشوائيا، الأمر الذي وضع على طاولة المسئولين مهام عاجلة وملحة، إذ يتضح أنّ تطور وازدياد المناطق العشوائية في مدينة جدة كان ناتجاً أصلاً عن التأخر في إصلاح أوضاع أول 4أحياء عشوائية نشأت في المدينة وهي أحياء غليل، الثعالبة، السبيل، والكويت.
وقد قامت أمانة مدينة جدة بتأسيس شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني (جدرك) والمملوكة بالكامل للدولة لتأخذ على عاتقها تنفيذ السياسات المقررة سلفا عن طريق اللجنتين الوزارية والتحضيرية لكبح تنامي العشوائيات، حيث إن الاعتماد على موازنات الدولة لمعالجة ظاهرة العشوائيات يعني إهدار مزيد من الوقت مما يؤدي إلى تعاظم المشكلة والسماح بنشوء عشوائيات أخرى، فكان تأسيس نشاط استثماري عقاري مختص بتطبيق حلول القضاء على العشوائيات ممثلاً في شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني عبر الشراكات مع القطاع الخاص هو الخيار الوحيد للإسراع في وقف الزحف العشوائي على بقية أحياء المدينة، ومنع إقامة مزيد من العشوائيات. ويضم مجلس إدارة شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني ممثلين عن القطاعين الخاص والحكومي، ويؤكد النظام الأساسي للشركة على عملية اتخاذ القرار وشفافيته وعدالته، حيث يتعين على الشركة أخذ موافقة وزير الشؤون البلدية والقروية على مناطق العمل وحدودها وكذلك تخضع آلية تطوير المناطق لموافقة الجهات الرسمية المعنية كأي مشروع آخر يعرض عليها.
وقال أمين مدينة جدة المهندس عادل فقيه إن العشوائيات تصنف إلى أربع فئات، يأتي في مقدمتها العشوائيات ذات المقومات الاستثمارية، وذلك كان مشجعاً لتحديد أولى المناطق العشوائية التي يمكن طرحها للشراكة مع القطاع الخاص، مضيفاً أنّه تم تحديد منطقة قصر خزام والتي تشمل جزءاً من حي البلد، النزلة اليمانية، القريات، وحي السبيل والذي يعد من أقدم العشوائيات في المدينة، لتكون نقطة بداية لمعالجة الظاهرة، فقامت الشركة بطرح مزايدة عامة معلنة لاستقبال عروض الشركات المطورة، حيث تم تأهيل 7شركات قدمت كل شركة منها عرضين، العرض الأول فني ويشمل المواصفات العمرانية والإنشائية والخدمات المقدمة في الموقع، والآخر مالي، وتم فتح العروض الفنية أولاً من قبل لجان مختصة بأعلى درجة من الشفافية والوضوح، وبعد ذلك تم فتح العروض المالية، حيث فازت شركة دار الأركان للتطوير العمراني، وهي شركة سعودية مساهمة وذات سمعة طيبة، وقامت بتقديم عروض فنية ومالية متميزة عن بقية الشركات المتقدمة، وأكد المهندس فقيه أن المنافسة كانت نزيهة وأوراقها متاحة للجميع لمن يرغب الاطلاع عليها. وقال إن عملية اختيار الشريك المطور مرت باعتبارات تضمن حق التنافس الشريف والأداء المثالي، حيث تم اعتماد قائمة المطورين المؤهلين في شهر محرم 1429هـ، بعدها أرسلت الدعوات المنافسة للمطورين في 28محرم 1429هـ، وتسلمت الشركة العروض وقامت بتحليلها في شهر ربيع الثاني 1429هـ، واعتمدت الترسية من مجلس إدارة شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني في 15ربيع الثاني 1429ه، وبعد ذلك تم تأسيس شراكة بتاريخ 19ربيع الثاني 1429ه بين شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني مع شركة دار الأركان لتطوير منطقة قصر خزام. منطقة قصر خزام.. إرادة التنمية الحضرية وأوضح المهندس فقيه أن مشروع قصر خزام يقع إلى الجنوب الشرقي من وسط مدينة جدة، بمساحة تقارب 3.720.000متر مربع، ويتخلل الموقع طريقا الملك فهد والملك خالد، وتمتد منطقة المشروع من مقبرة الأسد غرباً إلى كلية عفت والنزلة الشرقية شرقا، ومن الشمال طريق مكة المكرمة وجنوبا مجمع الاتصالات، ويضم الموقع قصر خزام التاريخي ومعالم أخرى هامة مثل البنك الإسلامي للتنمية وموقع منظمة المؤتمر الإسلامي.
وأشار أمين مدينة جدة إلى أن تنفيذ المشروع سيمر بخمس مراحل متتالية، تبدأ بمرحلة المسح العقاري وآلية تعويض الملاك حيث تقوم لجنة تقدير التعويضات بتقدير أقيام جميع الوحدات العقارية من أراض وإنشاءات وتعويض ملاكها حسب الخيارات الثلاثة المتاحة (مساهمة، أو تعويض نقدي،أو بيع للغير). يلي ذلك المرحلة الثانية وهي إعداد المخطط الرئيسي للمشروع، حيث تقوم الشركة المطورة بإعداد وتقديم عرض أولي للمخطط العام لمنطقة التطوير للأمانة، لتقدم الأمانة ملاحظاتها ثم تقديم المخطط النهائي للاعتماد، ثم التصاميم التفصيلية للبنية التحتية والبنيات الأساسية. أما المرحلة الثالثة فتشمل تجهيز الموقع (إزالة الأنقاض) حيث تنسق شركة التطوير مع الأمانة والجهات الأمنية لإخلاء وإزالة المباني وتنظيم الموقع حسب المخطط الرئيسي للمشروع. وستبلغ الشركة المطورة الملاك والمستأجرين بشتى فئاتهم بتاريخ الإخلاء والإزالة والهدم على أن يمهلوا فترة لا تزيد على سنة هجرية. بعد ذلك تبدأ المرحلة الرابعة بتملك وبناء مواقع الخدمات العامة حيث تقوم الجهات المعنية بالخدمات باستكمال شراء ما يخصها من الأراضي المخصصة لها وفق المخطط الرئيسي للمشروع المعتمد لمنطقة التطوير، وتبدأ بناء الأراضي المخصصة لها حال إنهاء تملكها. بعدها ستدخل المعالجة مرحلتها الخامسة وهي مرحلة التنفيذ، حيث تنفذ شركة التطوير المشروع بناء على خطة مرحلية للتنفيذ مدعمة بالجدول الزمني التفصيلي لتنفيذ جميع المراحل، وقد يتزامن تنفيذ مرحلة أو أكثر مع مراحل أخرى وفق ما يتلاءم مع تقدم عملية التطوير.
5-1-3 الأردن
عملت دائرة التطوير الحضري في الأردن على تطوير بعض المناطق بأسلوب السكن
النواة، ولكنها توقفت عن ذلك عام 1992 بعد دمجها مع مؤسسة الإسكان التي تقوم حاليًا
بتطبيق مبدأ تنظيم الموقع والخدمات ولكن هذه التجربة ما زالت بحاجة إلى تطوير في
الأردن بسبب ارتفاع قيمة الأرض مما أدى إلى انتفاع الطبقة المتوسطة وليست الفقيرة من
هذه المشاريع.
وتعتبر تجربة مشروع شرق الوحدات التي قامت بها دائرة التطوير الحضري من الأمثلة الحية على معالجة العشوائيات وفريدة من نوعها في حل مشكلة السكن العشوائي
بالأردن حيث أنه تم إعادة تخطيط تجمع سكني عشوائي مساحته 9.1 هكتار عام 1985 ، يسكنه 5030 شخص والذي كان مكونًا من524 قسيمة كانت مبنية من الزينكو ومواد أخرى متردية لا تصلح للسكن من نواحي بيئية وصحية وإنشائية .
وكانت هناك مشاركة شعبية كبيرة مما أكد نجاحًا ملحوظًا لهذه التجربة في بداية الأمر حينما تم تمليك الأرض للسكان، حيث أبدى الناس اهتمامًا واضحًا وقاموا بصرف مدخراتهم وباعوا مصاغهم لشراء قطع الأراضي وتطوير مساكنهم بعد تأكدهم أنها ستقع في نطاق ملكهم الخاص وقد دفع المواطنون مسبقًا 5% من قيمة الأرض، وتم تقسيط بقية المبلغ بما يعادل 25
% من دخل الأسرة الشهري (قدر دخل الأسرة الشهري في تلك الفترة حسب دراسات
دراسات دائرة التطوير الحضري ب 145 دينار).
وتم إعادة تنظيم الموقع وتخطيطه بطريقة تتماشى مع الطرق والممرات المتواجدة بمنطقة
المشروع، بالإضافة إلى عمل قسائم ملكيات صغيرة لم تشكل عبئًا ماديًا كبيرًا على المنتفعين
وقد نظمت المنطقة من خلال توفير الخدمات والبنية التحتية الضرورية إلا انه يلاحظ انقسام التجمع إلى أحياء حسب العائلات الكبيرة أو الأماكن الأصلية التي قدم منها السكان مثل حي
الغزازوة – وحي الفوالجة وحي النعيمية وحي السبعاوية.
وقامت الأردن بالتوسع في تجربة المناطق الاقتصادية التنموية الاستثمارية والمعفاة من الجمارك (مثال منطقة العقبة بالأردن ) بالإضافة إلى بناء مدن سكنية ضخمة ، خلق فرص عمل ، الابتعاد عن السكن العشوائي من خلال إيجاد بديل للسكن العشوائي.
5-1-4 دول أخرى
5-1-4-1 تجربة السودان: مخطط إقليمي لولاية الخرطوم يعتمد على التنمية الاقتصادية بالقرى في الإقليم للحد من النمو العشوائي بالمدينة .
5-1-4-2 تجربة المغرب : خلق فرص عمل بالمناطق الريفية .
وتعني الجهود العربية السابقة أن احتواء العشوائيات أمر ممكن إذا توفرت الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة من قبل ساكني العشوائيات والأجهزة القائمة على التطوير، وإذا توفرت المخصصات التمويلية اللازمة.
5-2 تجارب عالمية
5-2-1 تجربة باريس
خضعت باريس خلال الفترة الأخيرة لمشروع تجديد، خُطط له عام 1960 وتضمن هذا المشروع استبدال المباني القديمة والمرافق الأخرى، التي أضحت لا تفي بمتطلبات السكان، وترميم الآثار القديمة والقصور والمباني الأخرى ذات القيمة الجمالية.
وقد صدر عام 1961 تعديلٌ ينص على إلزام مُلاَّك المباني بتنظيف واجهات أبنيتهم وتلميعها، وهكذا تحولت باريس في منتصف الستينيات إلى مدينة براقة. كما بدأت عمليات بناء جديدة كثيرة في باريس، فارتفعت العديد من الناطحات، واكتمل برج موان ومنتبارناس ذو الثمانية والخمسين طابقاً عام 1973، وهو أعلى مباني فرنسا.
وقد شعر الكثيرون أن إقامة المباني المرتفعة يقلل من سحر المدينة. ومن ثم أصدر مجلس المدينة في عام 1973، قراراً بتحديد ارتفاع المباني، التي تقام في قلب المدينة بعشرة طوابق فقط، واستمرت صناعة الإنشاء والتعمير في الازدهار في المدينة وإن كانت عملية إنشاء الناطحات قد انتقلت إلى الضواحي.
ومن بين المرافق القديمة، التي أُزيلت من باريس أسواق لي هال Les Halles، وأسواق الأغذية الرئيسية للمدينة، بعد أن أصبحت شوارعها الضيقة ومبانيها القديمة، التي كان يعمل بها نحو 30 ألف شخصٍ، عاجزة عن خدمة المدينة، هذا إضافة إلى أن الحركة إلى السوق ومنها، كانت تعطل حركة المرور. وقد اكتملت عملية الإزالة عام 1974، بعد أن نُقِل معظم عمليات البيع بالجملة إلى منطقة رونجي، جنوبي باريس. أما سوق لي هال، فقد حل محله مركز تجاري وثقافي يُعرف باسم لي فورام دي هال، وهو مركز تقع أربعة من طوابقه الخمسة تحت الأرض ويُعدّ الطابق الأسفل منه أكبر محطة لشبكة مترو الأنفاق الإقليمي، وهي الشبكة التي تربط الضواحي الغربية والشرقية والجنوبية بباريس بقطارات تصل سرعتها إلى 100 كم في الساعة.
وفي بداية السبعينيات من القرن العشرين، أكتمل إنشاء طريق سيارات سريع طوله 35 كم حول باريس، وفي عام 1974 أُنشئ طريق سياراتٍ يمتد من الشمال إلى الجنوب. وفي عام 1976، أُنشئ طريق آخر من الشرق إلى الغرب. وفي عام 1978، أُفتُتِح لاديفانس في الضواحي القريبة من المدينة، يضم المجمع مكاتب ومحلاتٍ تجارية ومرافق رياضية وترفيهية وشققاً سكنية.
وبالمدينة مجمع آخر في الضواحي الشمالية، يُعرف باسم لافيليت. وفي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، اُفتُتِح متحف باسم مركز العلوم الصناعية، وصالة موسيقى في المنطقة نفسها. ويضم المشروع صالة عرض ومجمعاً موسيقياً ومتنزهاً عاماً. وقد ارتفعت مبان حديثة أخرى في أرجاء منطقة باريس. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن الحكومة تقدم دعماً مالياً لكثيرٍ من المباني، التي يُعاد ترميمها.
5-2-2 تجربة هوب وباث ويورك وجلاسكو في بريطانيا،
طبقت مدن هوب وباث ويورك وجلاسكو في بريطانيا السياسات الموضوعة لإعادة تأهيل وإحياء المناطق التاريخية، فالحفاظ على الطابع التقليدي وإعادة استخدام وتوظيف الأبنية التاريخية وتشجيع عناصر السياحة جعل من هذه المناطق مناطق حية وذات قيمة سياحية وثقافية واجتماعية واقتصادية عالية.
وتعد هذه السياسات آنية تقضي بتنفيذ برامج تحسين وتطوير وإحياء للمناطق القديمة والأحياء العشوائية، وتتلخص السياسات الموضوعة في هذا الإطار في بديلين من الحلول : الأول يقضي بتحسين كافة الأوضاع السكنية والخدمية و الثاني بتبني قيام برامج إسكانية عامة وإزالة المناطق العشوائية بشكل كامل أو جزئي بعد نقل ساكنيها .
ومن خلال التجارب العالمية في هذا المجال يحظى البديل الأول بقبول ونجاح أكبر بسبب الكفاءة الاقتصادية له، حيث أن التكاليف الاستثمارية لعملية التحسين والإحياء أقل كثيراً من تكاليف إنشاء برامج سكنية ومرافق جديدة ، كذلك يقضي البديل الأول بمشاركة السكان أنفسهم في جهود التطوير، ويحفزهم على استثمار إمكاناتهم المحدودة ويحافظ هذا البديل على التركيب الاجتماعي للمدينة المتوارث، حيث أن عمليات نقل السكان تؤدي إلى تشتت هذا النسيج واجتثاث جذور الانتماءات الأسرية .
وتتبنى الدول والحكومات القادرة توفير وبناء المرافق الأساسية والخدمية غير المتوافرة في الأحياء القديمة والعشوائية وخاصة اللازمة للأطفال، ولقد لاقت السياسات الموضوعة لإعادة تأهيل وإحياء المناطق التاريخية نجاحاً ملحوظاً في العديد من المدن الأجنبية والعربية ، فالحفاظ على الطابع التقليدي وإعادة استخدام وتوظيف الأبنية التاريخية وتشجيع عناصر السياحة جعل من هذه المناطق مناطق حية وذات قيمة سياحية وثقافية واجتماعية واقتصادية عالية، مثل ما تم تطبيقه في الأحياء القديمة بباريس ( لاماريه )، وأدنبرة وهوب وباث ويورك وجلاسكو في بريطانيا، وتعنى هذه الحلول المذكورة بأنه قد تم إكساب الشرعية لوجود هذه الأحياء، وفي نفس الوقت منح العناية لتطويرها ورفع كفاءتها من خلال التخطيط بعيد ومتوسط المدى، ومن خلال الحلول الآنية العاجلة لتخفيف العناء عن المواطنين وتوفير المرافق والخدمات اللازمة لهم.
5 -توصيات
من خلال التجارب العربية والعالمية والدراسات التي أقيمت حول العشوائيات يمكن تحديد عدد من التوصيات للتعامل مع العشوائيات وتتمثل فيما يلي:
5-1 ضرورة التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل بالقرى والمناطق الريفية في محيط إقليم المدينة للحد من الهجرة إلى المدينة ونمو المناطق العشوائية .. ( تجربة المغرب : خلق فرص عمل بالمناطق الريفية ) . (تجربة السودان ) : مخطط إقليمي لولاية الخرطوم يعتمد على التنمية الاقتصادية بالقرى في الإقليم للحد من النمو العشوائي بالمدينة والبدء بالتنمية الاقتصادية قبل الإسكان والخدمات .
5-2 ضرورة إعداد دراسات خاصة للمؤهلات والقدرات الإنتاجية لسكان المناطق العشوائية مثال : (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ـ يتم الإفادة من خبرات السكان بكل منطقة وعمل جمعيات تعاونية إنتاجية ودعمهم في التسويق (.
5-3 التوسع في تجربة المناطق الاقتصادية التنموية الاستثمارية والمعفاة من الجمارك (مثال منطقة العقبة بالأردن ) بالإضافة إلى بناء مدن سكنية ضخمة ، خلق فرص عمل ، الابتعاد عن السكن العشوائي .
5-4 تخفيف الضغط عن المدن وتشجيع الهجرة العكسية بخلق مشروعات تنموية جاذبة في الأقاليم والمناطق الريفية..
5-5 ضرورة إعداد تقرير واضح وشامل يرفع لمتخذي القرار يعرض نتائج ورش العمل التي عُقدت في هذا المجال ، وذلك لدعم اتخاذ القرار حول المناطق العشوائية والتعامل معها.
5-6 تأكيد ضرورة الالتزام بتطبيق صارم ورادع للقوانين وتحديثها مع ضرورة إيجاد أنظمة للتعامل مع الفساد بالمحليات والمصالح السياسية التي تستغل
5-7 إبراز القضية إعلامياً والعمل على رفع وعي المواطنين بالعالم العربي حول تبعات قضية العشوائيات .
5-8 تشجيع المستثمرين للبناء البديل لقاطني العشوائيات وتنظيم لقاءات ترويجية تمويلية للبنوك العربية وأصحاب الأعمال لعرض البلديات للمناطق العشوائية بها وإمكانية تمويل تطوير المناطق العشوائية بها .
5-9 ضرورة أن تحدد المخططات العمرانية الحضرية مناطق السكن والإنتاج والخدمات بشكل دقيق ومتابعتها لمنع العشوائية ، والتنسيق والتوازن بين استعمالات الأراضي لتشجيع ربط التنمية الاقتصادية بالمناطق السكنية .
5-10 عدم فصل التعامل مع العشوائيات عن جوانب التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، والاعتماد على دراسات خاصة بالمناطق العشوائية ودمجها اقتصادياً في المدينة والتغلب على ضعف مؤهلاتهم الاقتصادية
5-11 ارتباط التعامل مع المناطق العشوائية بنجاح والحد منها بتطبيق مبادئ الحكم الرشيد من حيث الشفافية والمساءلة وذلك لضمان الالتزام بالقوانين وخطط التطوير
5-12 النظر إلى المناطق العشوائية من منظور الحفاظ على الرصيد العقاري بالدول العربية في الإطار الدولي.
5-13 إنشاء مشروعات إسكان لذوي الدخل المحدود داخل المدن وتشجيع المشروعات السكنية التعاونية.
5-14 توفير الأراضي الصالحة للسكن لفئة ذوي الدخل المحدود.
5-15 تفعيل دور الرقابة البلدية في التشريعات الخاصة بالبناء بحيث تكون أكثر فعالية للحد من الاستمرار في إنشاء المباني المخالفة لأحكام التنظيم ومتطلبات تراخيص .
5-16 قيام جهاز رسمي أو وزارة خاصة بمعالجة ومكافحة السكن العشوائي .
5-17 توفير البني التحتية والحد الأدنى من الخدمات في مواقع تحددها الدولة حسب
خطة إسكانية معينة وقد استخدمت هذه الطريقة في دول كثيرة مثل الهند وباكستان وإيران ومصر وغيرهم من الدول، يتم من خلالها تنظيم مواقع من حيث البني التحتية والخدمات لجعلها جاهزة لاستقبال سكان جدد، وتم أيضًا استخدام أسلوب السكن القابل للتطور (السكن
النواة)، حيث يقوم الناس من خلالها ببناء مساكنهم حسب حاجاتهم وإمكانياتهم طبقًا لتصميم
وحدة سكنية مبسطة تجهز خصيصًا لنمو المبنى بالأسلوب التدريجي المرن.
5-18 وضع سياسات بعيدة المدى تهدف إلى كبح ظاهرة البناء العشوائي في المناطق العشوائية واستمرار التدهور في المناطق القديمة من خلال توفير المقومات الأساسية لذلك، مثل وضع تخطيط ملائم وتشريعات وجهات إدارية قادرة وكذلك التوعية الجماهيرية الرسمية والشعبية .
5-19 وضع السياسات متوسطة المدى والتي تتطلب وضع خطط كفيلة بتطوير قطاع الإسكان في المدن من خلال وضع الحوافز المناسبة لمساهمة القطاع الخاص والأفراد للاستثمار به، وكذلك تنشيط صناعة البناء وموائمة ذلك مع الواقع البيئي والاقتصادي والاجتماعي المحلي.
5-20 وضع سياسات حالية تقضي بتنفيذ برامج تحسين وتطوير وإحياء للمناطق القديمة والأحياء العشوائية، وتتلخص السياسات الموضوعة في هذا الإطار في بديلين من الحلول : الأول يقضي بتحسين كافة الأوضاع السكنية والخدمية ، و الثاني بتبني قيام برامج إسكانية عامة وإزالة المناطق العشوائية بشكل كامل أو جزئي بعد نقل ساكنيها والأول يعده معظم الخبراء هو الأفضل مثلما تحقق في التجارب العالمية.

Admin
Admin

المساهمات : 12
تاريخ التسجيل : 03/05/2012

https://ecrcl.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى